إيلي مندلق
وارسو، بولندالم يُحدث خروج فرنسا من الدور ربع النهائي في كأس أمم أوروبا 2012 ضجيجاً ولم تكن الخسارة أمام إسبانيا مفاجأة، لأن الإخفاق الأخير كان متوقعاً وجاء امتداداً لسلسلة متواصلة من الخيبات كانت استُهلت في العام 2006 عقب اعتزال الأسطورة زيدان الذي جاء بعده الطوفان وجرف معه الديوك إلى داخل نفق مظلم لم يجدوا فيه سبيلاً للخروج بانتظار إشراقة نجم جديد يقود السفينة إلى بر الأمان ويعيد الهوية التي ضاعت.
ويعلم المتابع الجيد للكرة الفرنسية أن ما حصل لفرنسا في هذه البطولة ليس بجديد، لأنه منذ تأسيس الاتحاد الفرنسي للعبة في العام 1904 لم تنجح فرنسا في تسجيل حضورها الدائم وتحقيق الانجازات الكبيرة كما تفعل البرازيل وألمانيا وإيطاليا إنما انحصر تألّق المنتخب الفرنسي في الخمسينات والثمانينات ومن منتصف التسعينات حتى العام 2006 وكان هذا التميز في الحقبات الثلاث مرهوناً دائماً بنجوم كبار.
كوبا وبلاتينيشهدت بلاد نابوليون منذ مطلع الخمسينات ازدهاراً كروياً حيث خطف الأضواء في تلك الفترة صانع الألعاب ريمون كوبازيفسكي المعروف بـ"كوبا" نجم ريال مدريد الإسباني، ونجوم آخرون مثل جوست فونتين وروجيه بيانتوني وروبير جونكيه وجان فانسان، وساهم هؤلاء في وضع فرنسا على الخارطة الكروية خلال هذه السنوات قبل أن يتوجوا جهودهم في مونديال السويد عام 1958 ويعودوا إلى بلادهم وأعناقهم مزينة ببرونزية المركز الثالث.
بعد حقبة كوبا الذهبية، غابت فرنسا عن المحافل الدولية لأكثر من عشرين عاماً حتى سطع نجم ميشال بلاتيني في نهاية السبعينات، وسريعاً فرض صانع ألعاب يوفنتوس الإيطالي وهدافه نفسه قائداً لكوكبة من النجوم آنذاك مثل جان تيغانا وماريوس تريزور وآلان جيريس ولويس فرنانديز، وكانت نهائيات كأس العالم في إسبانيا عام 1982 مسرح إبداعهم حيث تقدموا على ألمانيا الغربية (3-1) في نصف النهائي قبل أن تخطف الأخيرة التعادل منهم في الثواني الأخيرة وتفوز بركلات الترجيح.
بعد عامين قاد بلاتيني مجموعته للفوز بلقب كأس أوروبا 1984 قبل أن يقدّم الديوك عروضاً قوية في نهائيات مونديال 1986 في المكسيك حيث تخطوا البرازيل في ربع النهائي بركلات الترجيح، قبل أن يخسروا أمام ألمانيا في نصف النهائي، لكن جائزة الترضية كانت حلولهم في المركز الثالث بعد فوزهم على بلجيكا.
زيدانفي العام 1987 اعتزل بلاتيني، وبرحيله شهدت الكرة الفرنسية مجدداً مواسم قاحلة لم يتمكن فيها الديوك من التأهل ليورو 1988 ونهائيات مونديالي 1990 و1994 حتى ظهر زيدان الذي تسلّق سلّم النجومية بسرعة فائقة وتحوّل إلى القائد والملهم والمفكر، وحوله بنى المدرب القدير آنذاك إيميه جاكيه فريقاً صلباً ضم كوكبة من النجوم مثل يوري دجوركاييف ومارسيل دوسايي ولياليان تورام وباتريك فييرا وإيمانويل بوتي وديدييه ديشان وتييري هنري ودافيد تريزيغيه.
لم ينتظر الفرنسيون كثيراً لرؤية نجومهم على منصات التتويج، إذ بعد خروجهم من نصف نهائي يورو 1996 بركلات الترجيح، نجح زيدان ورفاقه في قيادة فرنسا للفوز بكأس العالم 1998 للمرة الأولى وكأس أوروبا 2000، أما في مونديال 2006 فاكتفوا بمركز الوصيف.
ومنذ اعتزال زيدان في العام 2006 لم يتمكن أي لاعب من ملأ هذا الفراغ أو حتى في فرض نفسه قائداً فكانت بداية النهاية إذ لم ينجح الديوك الذين خاضوا نهائيات كأس أوروبا 2008 وكأس العالم 2010 ومؤخراً كأس أوروبا 2012 إلا في تحقيق انتصار واحد كان على حساب أوكرانيا في الجولة الثانية من البطولة الجارية في الوقت الحالي التي خرجوا منها يعضون على جراحهم وهم على يقين بأن الشمس لن تشرق قريباً ولكن يبقى الأمل قائماً بولادة نجم كبير.. فهل سيطول الانتظار؟