رغم أن المشاكل التي ضربت بيت المنتخب الفرنسي في الآونة الأخيرة وكذا إقصائه في الدور ربع النهائي لكأس أوروبا للأمم- بعد هزيمته أمام المنتخب الإسباني- استعطفت الكثير من الجزائريين..
بن عرفة وبن زيمة
بالنظر إلى أن التشكيلة التي يضمها منتخب "الديوك" تحتوي على دماء مغاربية خالصة، على غرار الجزائريين كريم بن زيمة وسمير ناصري، التونسي حاتم بن عرفة والمغربي عادل رامي، وهو ما جعل الشارع الجزائري متابعا ومساندا لهم في محنتهم، خاصة بعد الحملة الشرسة التي شنت ضدهم عقب الإقصاء من فعاليات مسابقة كأس أوروبا، والتي لا يمكن أن تصنف إلا في قائمة العنصرية والحقد على كل ما هو عربي، ورغم أن الكل لا يرضى بما يحدث من عنصرية ضد من يحملون دما عربيا وجزائريا في عروقهم، إلا أن الأمر في صالح الجزائريين لعدة أسباب.
ما حدث لـ ناصري وبن عرفة صفعة لكل من يرغب في الانضمام لـ"الديوك"ولأن ما حدث وما يحدث للاعبين من ذوي الأصول الجزائرية، على غرار سمير ناصري الذي شنت عليه وسائل الإعلام الفرنسية بأنواعها المقروءة، المسموعة والمرئية ولم تترك أي شيء لشتمه رغم أنه قدم الكثير للمنتخب الفرنسي، وحتى في الدورة الأخيرة لكأس أوروبا، فرغم الإقصاء إلا أنه سجل هدفا رائعا ومرر كرات حاسمة، لكن ذلك لم يشفع له في كسب ود الفرنسيين الذين لم ولن ينسوا أبدا أنه جزائري عربي مثله مثل زملائه، وأكثر من هذا ربطوا تصرفه تجاه صحفي "فرانس فوتبول" بأصوله الجزائرية. ولأن الأمر بدا للجميع واضحا وضوح الشمس وسمع به وشاهده كل قريب وبعيد عن المنتخب الفرنسي، فسيكون هذا بمثابة الصفعة الحقيقية لكل من يرغب في حمل القميص الأزرق في المستقبل.
على أمثال حمومة الاعتبار وصدق من قال "أصلك أصلك"ولعل الخرجة العنصرية التي يقودها الإعلام الناطق بلغة موليير ويدعمها الشارع الفرنسي من شأنها أن تدفع العديد من اللاعبين ذوي الأصول الجزائرية إلى إعادة النظر في مستقبلهم الدولي، والذين سبق وأن صرحوا أنهم لن يلعبوا للجزائر لأنهم لم يولدوا بها وأنهم يحلمون بالدفاع عن المنتخب الفرنسي، على غرار لاعب نادي "كان" الفرنسي رومان حمومة الذي أعرب صراحة عن رغبته في تقمص ألوان "الزرق"، إذ سيكون من دون شك هذه المرة أمام فرصة حقيقية للاعتبار وحفظ الدرس رغم أن ''الخضر" لا يرضون إلا بمن يملك الرغبة في تمثيل الجزائر ويلعب للجزائر بكل فخر.
براهيمي، غولام، بلفوضيل وآخرون لن يفكروا مطولا والجزائر لن تفرط في عصافيرها النادرةوكما سبق وأن ذكرنا، فإن تجربة ناصري، بن عرفة وحتى بن زيمة الذي لم يسلم هو الآخر من الانتقادات، ستجعل العديد من اللاعبين المغتربين- أو الطيور النادرة كما يحلو للبعض أن يسميهم- يعيدون حساباتهم ويسرعون في اختيار الوطن الأم والعودة إلى تمثيل البلد الأصلي، على غرار كل من ياسين ابراهيمي، يانيس طافر، فوزي غولام، إسحاق بلفوضيل، ياسين بن زية، فلوريان راسبونتينو لاعب مرسيليا الجديد، وأسماء أخرى ستكون في الموعد لاختيار البلد الأحق والأجدر بالتمثيل، وتبقى الجزائر ممثلة بمنتخبها الوطني بحاجة إلى أبنائها ممن تلقوا تكوينهم في المدارس والأكاديميات الفرنسية.
زيدان ظاهرة لا تتكرر دائما وحتى النجم بن زيمة لم يسلم من العنصريةالشيء الذي يجب أن يضعه اللاعبون من ذوي الأصول الجزائرية ممن بقي يحلم بحمل القميص الأزرق واللعب لمنتخب الديوك في ذهنهم، هو أن زيدان ظاهرة لا تتكرر وأن مشواره المشرف مع المنتخب الفرنسي لا يمكن أن يخلفه لا براهيمي ولا بلفوضيل ولا أي لاعب آخر، خاصة إذا علمنا أن تألق "زيزو" مع كتيبة "الزرق" وإهدائه فرنسا الكاس الأغلى في العالم سنة 1998 هو من جعل أبناء جلدته من المولودين في فرنسا يحلمون بتكرار المشوار، إذ كشفت كأس أوروبا الأخيرة وما حدث مع ناصري وبن عرفة أن القصة لن تتكرر، كما يدرك المتابع لشأن الكرة الفرنسية أن الفرنسيين لن يرفعوا القبعة أبدا لمن يحمل دما جزائريا، فحتى كريم بن زيمة نجم ريال مدريد لم يسلم من الإعلام الفرنسي الذي ينتظر منه الخطأ دائما ليتهجم عليه، والكل يعلم الحملة التي شنت ضده منذ شهرين بعدما اتهم بالبخل والشح وعدم دفع مصاريف جدته، وهو ما جعله يصرح قائلا: "إذا لعبت جيدا وسجلت قيل عني أني فرنسي، وإذا أخفقت قيل عني اللاعب الجزائري".
المغتربون سيستلهمون من التجربة الناجحة لـ بودبوز، فغولي وكاداموروبالإضافة إلى التجربة السيئة مع "الديوك" لكل من سمير ناصري نجم مانشيستر سيتي الانجليزي وكريم بن زيمة مهاجم ريال مدريد، واللذين خرجا من الباب الضيق ولم يرحمهما الإعلام الفرنسي رغم ما قدماه للقميص الأزرق، فإن ذلك قد ينفر اللاعبين من ذوي الأصول الجزائرية الذين يرغبون في اللعب لفرنسا، على غرار لاعب سانت إيتيان الفرنسي فوزي غولام الذي ورغم أنه قريب في الوقت الراهن من "الخضر"، إلا أنه كان في وقت سابق يصرح دائما أنه يتمنى تمثيل المنتخب الفرنسي، مثله مثل بقية اللاعبين المولودين هناك والذين استهوتهم كثيرا تجربة بعض زملائهم مع المنتخب الوطني، على غرار رياض بودبوز المحترف في نادي سوشو الفرنسي والياسين كادامورو المحترف في نادي ريال سوسيداد الاسباني، وكذا سفيان فغولي نجم نادي فالنسيا الاسباني، إذ اختار هؤلاء اللعب لبلدهم الأصلي من الصغر رغم أنهم مثلوا المنتخب الفرنسي في فئات الشباب، وهو ما قد يجعل أقرانهم من مزدوجي الجنسية يحذون حذوهم ويختارون كتيبة محاربي الصحراء مثلما فعل في السابق مراد مغني، عنتر يحيى، مجيد بوڨرة، نذير بلحاج، كريم زياني وآخرون.
الجانب الجزائري مطالب بالتحرك واحتضان أبنائه من الآنولأن المنتخب الجزائري يبقى دائما بحاجة إلى اللاعبين من ذوي الأصول الجزائرية، والذين تلقوا تكوينهم في المدارس والأكاديميات الفرنسية، فإن القائمين على المستديرة مطالبون بالتحرك من الآن واغتنام الفرصة لإقناع اللاعبين الذين كانوا مترددين بعض الشيء لعدة عوامل، إذ يمكن للطاقم الفني مثلا أن يكثف خرجاته بعد انتهاء العطلة للالتقاء بأكبر عدد من اللاعبين الذين يملكون من الإمكانيات ما يؤهلهم للعب للمنتخب الوطني وتقديم الإضافة اللازمة له، خاصة إذا علمنا أن هناك الكثير من العصافير النادرة التي تتحين الفرصة المواتية للمجيء للجزائر والحذو حذو مسيرة فغولي وآخرين.
منتخب الديوك سيندم كثيرا ولم يخطئ من قال "فرنسا لا تساوي شيئا بدونك يا زيدان"ويمكن القول أن فرنسا- أو المسؤولين على منتخب الديوك- ارتكبوا خطأ فادحا بعدم مساندتهم لكل من سمير ناصري وحاتم بن عرفة وتركهما وحدهما في وجه الحملة الشرسة للإعلام المحلي، والذي كان عنصريا إلى أبعد الحدود عندما اتهم عرب المنتخب الفرنسي (ويعني بهم بن زيمة، ناصري وبن عرفة) بإخراج المنتخب من نهائيات كأس أوروبا رغم أن هذا المنتخب لا يملك غيرهم ليكون أهلا للمنافسة في هذا المستوى. وإذا ما نظرنا إلى تاريخ منتخب الديوك وكذا تتويجاته القارية والدولية، فإننا مجبرون على التأكيد على أنها جاءت وصنعت بأقدام افريقية عربية جزائرية، ولعل أبرز دليل الإبعاد العنصري لذوي الأصول الجزائرية العربية من مونديال جنوب إفريقيا، والذي كانت نتائجه وخيمة، كما أن الشيء الذي نسيته –أو تناسته- فرنسا وإعلامها هو أن منتخب الديوك توج بلقبيه الأغلى في تاريخ الكرة المستديرة الفرنسية (وهما كأس العالم الوحيدة في 1998 وكأس أوروبا في 2000 بفضل أقدام اللاعب الجزائري الأصل زين الدين زيدان، وصدق من قال: "فرنسا لا تساوي شيئا بدونك يا زيدان".